تحدثنا فى الفصل السابق عن الطبيعة و أهميتها بالنسبة للمصمم حيث تُعد المصدر الرئيسى للعناصر. ولكن لكى يستلهم المصمم من الطبيعة لابد أن يحدث ما يسمى بعملية الإدراك البصري و التي تشير الدراسات إلى أنها تحتل المركز الأول فى القوى الإدراكية التي تساعد الإنسان على الإدراك الشامل لمحيطه المرئي بطريقة مباشرة.
والإدراك فى مفهومه العام هو الوسيلة التي يتصل بها الإنسان مع البيئة المحيطة به. فهو يستخدم حواسه للتعرف على العالم الخارجي و من أقوى هذه الحواس حاسة البصر وعضوها المستقبل وهو العين التي تنقل إلى المخ الموجات الضوئية المنعكسة لتسبب الإحساس بالإبصار.
فالمجال البصري له خصائص تعد بمثابة محفز للعملية الإدراكية ، حيث يستدعى الإنسان معانٍ تيسر عليه التعرف على الشيء المدرك وتأويله وإدخاله فى دائرة الأشياء التي يألفها ، وعلى ذلك فإن الإدراك يكون إجماليا فى مبدئه وتؤدى الألفة بموضوع الشيء المدرك وسعة مجاله إلا أنه فى مجال رؤية الأعمال الفنية يمكن للنظرة التحليلية أن تسبق النظرة الكلية ولكن فى هذه اللحظة يكون العقل بصدد عملية تحليل.
اهتم العديد من المفكرين و الفلاسفة بالعمليات الإدراكية فى أوائل هذا القرن و من أبرزهم مفكري مدرسة الجشطلت التى تقوم على الإدراك البصري. و لقد توصل مفكرو هذه المدرسة إلى مجموعة من القواعد و القوانين التي تنظم المجال البصري الخارجي فمن أهم نتائج هذه النظرية:
الصفة الشكلية فى الإدارك البصري ليست كل شئ، فهناك أيضاً تنظيم المجال البصري إلى شكل و أرضية و هو المبدأ الأساسي فى الإدراك. فلا يمكن رؤية أي شئ كشكل إلا إذا فُصل عن أرضيته أو خلفيته. و على هذا، يمكن أن نوضح الفرق بين الشكل والأرضية كالآتي:
و بناءاً على تجارب علماء جشطلت فإن هناك مجموعة من العوامل التي تتحكم فى العلاقة بين العناصر فى النظام التكوينى و التي تُعد عاملاً أساسياً فى الإدراك البصري. هذه العوامل هى ما يجمع العناصر البصرية فى كليات ذات معنى بصري كما تعتبر من الأدوات التي تساعد المصمم على القيام بعمله.
يميل البشر إلى رؤية العناصر البصرية القريبة و كأنها تنتمى لبعضها البعض.
تميل الأشكال أو العناصر التى تحمل نفس الشكل أو اللون أو التركيب إلى التجمع بصرياً و كأنها تنتمى إلى بعضها البعض.
العناصر البصرية التي تتحرك فى نفس الاتجاه أو تمر بنفس التغيرات تميل إلى أن تتجمع سوياً و كأنها تشكل شكلاً واحداً.
الإنسان لا يميل فى إدراكه البصري إلى الأشكال الناقصة فإدراكه للأشياء من حوله يكون إدراكاً كاملاً و يرجع السبب فى ذلك إلى عقله الذي يمده بالمعلومات التي لم يستطع تحصيلها من خلال الحواس. و لذلك فإن العناصر التي تحصر بينها مساحة يمكن أن تُشاهد كوحدة واحدة فى أغلب الأحيان.
تظهرالعناصر البصرية التي تتكون من أشكال منتظمة و متوازية و كأنها تنتمى لبعضها البعض.