الإدراك البصري ودوره فى تنمية الابتكار

تحدثنا فى الفصل السابق عن الطبيعة و أهميتها بالنسبة للمصمم حيث تُعد المصدر الرئيسى للعناصر. ولكن لكى يستلهم المصمم من الطبيعة لابد أن يحدث ما يسمى بعملية الإدراك البصري و التي تشير الدراسات إلى أنها تحتل المركز الأول فى القوى الإدراكية التي تساعد الإنسان على الإدراك الشامل لمحيطه المرئي بطريقة مباشرة.

والإدراك فى مفهومه العام هو الوسيلة التي يتصل بها الإنسان مع البيئة المحيطة به. فهو يستخدم حواسه للتعرف على العالم الخارجي و من أقوى هذه الحواس حاسة البصر وعضوها المستقبل وهو العين التي تنقل إلى المخ الموجات الضوئية المنعكسة لتسبب الإحساس بالإبصار.

 تمر عملية الإدراك البصرى بمراحل متتابعة:

• تبدأ بالنظرة الإجمالية .
  
• ثم التحليل وإدراك العلاقات القائمة بين الأجزاء .
  
• ثم بإعادة تأليف الأجزاء فى هيئته الكلية مرة أخرى .
  
• ومن ثم فإن عملية الإدراك البصرى مستمرة ، تبدأ فى الأغلب بالكليات وتتحول إلى الجزئيات بهدف التحليل والتأمل تمهيدا لإعادة التحول إلى الكليات فى صورة مفهوم إدراكى كلى.

فالمجال البصري له خصائص تعد بمثابة محفز للعملية الإدراكية ، حيث يستدعى الإنسان معانٍ تيسر عليه التعرف على الشيء المدرك وتأويله وإدخاله فى دائرة الأشياء التي يألفها ، وعلى ذلك فإن الإدراك يكون إجماليا فى مبدئه وتؤدى الألفة بموضوع الشيء المدرك وسعة مجاله إلا أنه فى مجال رؤية الأعمال الفنية يمكن للنظرة التحليلية أن تسبق النظرة الكلية ولكن فى هذه اللحظة يكون العقل بصدد عملية تحليل.

نظرية الجشطلت Gestalt theory

اهتم العديد من المفكرين و الفلاسفة بالعمليات الإدراكية فى أوائل هذا القرن و من أبرزهم مفكري مدرسة الجشطلت التى تقوم على الإدراك البصري. و لقد توصل مفكرو هذه المدرسة إلى مجموعة من القواعد و القوانين التي تنظم المجال البصري الخارجي فمن أهم نتائج هذه النظرية:

• أن العقل لا يدرك الجزئيات فإذا ما اعترضته جزئية منقوصة أكملها تلقائياً و نتعلم من ذلك أن الإدراك البصري هو إدراك لصيغ كاملة.
• أن الإنسان عندما يدرك شكل ما فهو يدركه كشكل أمام خلفية و توجد مجموعة من القواعد التي تساعده فى التفرقة ما بين الشكل والأرضية.
• عقل الإنسان فى سعى دائم لجمع العناصر المتشابهة فهو يكتشف العناصر المحيطه و يبحث بها عن نوع من التقارب و التشابه مما يسهل عليه إدراكها.
• ما يدركه الفرد بصرياً هو ما يستطيع العقل إدراكه. فالإدارك البصرى ليست عملية مقتصرة فقط على الجهاز البصري حيث تؤكد بعض الظواهر مثل الشكل والحجم والضوء واللون على دور المخ فى عملية الإدراك.

الشكل والأرضية

الصفة الشكلية فى الإدارك البصري ليست كل شئ، فهناك أيضاً تنظيم المجال البصري إلى شكل و أرضية و هو المبدأ الأساسي فى الإدراك. فلا يمكن رؤية أي شئ كشكل إلا إذا فُصل عن أرضيته أو خلفيته. و على هذا، يمكن أن نوضح الفرق بين الشكل والأرضية كالآتي:

• الشكل يُرى بكثافة أكبر و كأنه خارج من الأرضية و له صفة كونه شئ من الأشياء.
• بينما الأرضية تكون فى حاجة إلي أن تكون صورة معينه مستمرة لتبدو و كأنها خلف الشكل.
• كما أن الشكل يُوحى بأن له معنى بينما الأرضية ما هى إلا مٌكمل له. و بالرغم من ذلك، يمكن للمشاهد أن يدرك الشئ كشكل أو كخلفية بناءاً على كيفية توجيهه.

تجميع العناصر البصرية المتفرقة

و بناءاً على تجارب علماء جشطلت فإن هناك مجموعة من العوامل التي تتحكم فى العلاقة بين العناصر فى النظام التكوينى و التي تُعد عاملاً أساسياً فى الإدراك البصري. هذه العوامل هى ما يجمع العناصر البصرية فى كليات ذات معنى بصري كما تعتبر من الأدوات التي تساعد المصمم على القيام بعمله.

قوانين تجميع العناصر البصرية:

التقارب

يميل البشر إلى رؤية العناصر البصرية القريبة و كأنها تنتمى لبعضها البعض.

التشابه

تميل الأشكال أو العناصر التى تحمل نفس الشكل أو اللون أو التركيب إلى التجمع بصرياً و كأنها تنتمى إلى بعضها البعض.

المصير المشترك

العناصر البصرية التي تتحرك فى نفس الاتجاه أو تمر بنفس التغيرات تميل إلى أن تتجمع سوياً و كأنها تشكل شكلاً واحداً.

الإغلاق

الإنسان لا يميل فى إدراكه البصري إلى الأشكال الناقصة فإدراكه للأشياء من حوله يكون إدراكاً كاملاً و يرجع السبب فى ذلك إلى عقله الذي يمده بالمعلومات التي لم يستطع تحصيلها من خلال الحواس. و لذلك فإن العناصر التي تحصر بينها مساحة يمكن أن تُشاهد كوحدة واحدة فى أغلب الأحيان.

التماثل

تظهرالعناصر البصرية التي تتكون من أشكال منتظمة و متوازية و كأنها تنتمى لبعضها البعض.