نجد أن لتصميم الجرافيك تاريخ حديث نسبيا بوصفه نظاما، فإن الأنشطة التي تشبه تصميم الجرافيك تمتد على مر تاريخ البشرية من كهوف لاسكوس، إلى عمود تراجان في روما إلى المخطوطات المضيئة في القرون الوسطى، إلى مصابيح جينزا. المبهرة في كل هذا التاريخ الطويل وفى ظل الطفرة التي حدثت مؤخرا في مجالات الاتصال المرئي في القرنين العشرين والحادى والعشرين، نجد في بعض الأحيان الاختلاف في كل من الإعلان، وتصميم الجرافيك والفنون الجميلة. وعلى الرغم من كل ذلك، إلا أنهم جميعا يشتركون في نفس العناصر والنظريات والمبادئ والممارسات واللغات، وأحيانا في نفس العميل. ويعتبر الهدف النهائي في فن الإعلان هو بيع السلع والخدمات. كما أننا نجد الجوهر في تصميم الجرافيك ،هو "تنظيم المعلومات، وتشكيل الأفكار وإضفاء جو من التعبير والشعور للحقائق الفنية التي توثق خبرة الإنسان."
ما بين القرنين الرابع والسابع الميلاديين و فى خلال عهد أسرة تانغ ما بين ) ۹۰٦ – ٦۱۸( كانت تستخدم الأشجار لأغراض الطباعة و عمل المنسوجات. فتقطع الجذوع؛ لينقش عليها النصوص البوذية و لإستنساخ الكتب المقدسة وهي أقدم كتب مطبوعة عرفتها البشرية حتى الآن. و فى خلال عهد أسرة سونغ (۱۲٧۹ – ۹٦۰) تم إنتاج الكتب على نطاق أوسع و ذلك باستخدام أنواع الطباعة المتحركة و ذلك حتى تولت دار دار يوهان جوتنبرج للطباعة الصحفية عملية نشر الكتب على نطاق أوسع فى أوروبا فى وقت ما خلال العام ۱٤٥۰و تسمى هذه الحقيقة من تصميم الجرافيك النمط الإنساني أو القديم.
وفي أواخر القرن التاسع عشر فى أوروبا، ظهرت حركة ساهمت فى فصل تصميم الجرافيك عن الفنون الجميلة و خاصة فى المملكة المتحدة. و الوقت ذاته برز اسم بيت موندريان ليعرف بأبو تصميم الجرافيك، حيث يرجع إليه الفضل فى تأسيس استخدام الشبكية (Grid system ) المستخدم اليوم فى الإعلان و الطباعة و التصميم على شبكة الإنترنت.
و فى عام ۱۸٤۹، تم إدخال تصميم الجرافيك إلى المسار التعليمى فى بريطانيا ويعود الفضل فى ذلك هنرى كول Henry cool الذى ساهم فى لفت نظر الحكومة البريطانية إلى أهمية تصميم الجرافيك عن طريق مجلته الخاصة بالتصميم و المصنوعات و تنظيمه للمعرض الكبير الذى يعد احتفالاً بالتصميم و التكنولوجيا معاً.
كما قامت دار النشر كيلمسكوت Kilmuscote لمؤسسها ويليام موريس William morris بإنتاج العديد من الكتب المتخصصة فى تصميم الجرافيك والتى كانت تحمل طابعاً تاريخياً يعكس الحالة المادية المبتذلة لتصميم الجرافيك أثناء القرن التاسع عشر. ساهمت إصدارات موريس - والتى كانت تستهدف الأثرياء على الأكثر- فى الفصل ما بين التصميم و غيره من الأعمال الفنية الأخرى. كما ساعدت أيضاً فى تطوير الفن الحديث بصورة مباشرة و التصميم فى أوائل القرن العشرين بصورة غير مباشرة.
التصميم بشكل عام هو عمل فنى مبتكر يهدف لإيصال فكرة ما لمشاهدة عن طريق مزج عدة عناصر معاً مثل الصور والكتابات والأشكال والألوان والفراغ و الملمس و الظل والنور و غيرها من العناصر مع مراعاة أسس التصميم مثل التوازن والتباين والوحدة والتناسب وغيرها.
و الهدف من التصميم يمكن أن يكون إشباع لحاجة إنسانية مُلحة عن طريق تقديم قيمة نفعية وجمالية في آن واحد. فمثلاً عند تصميم المواقع لابد أن يتحقق كلا من عنصرى المتعة و المنفعة للقارئ عن طريق الألوان وعلاقتها بالخط المستخدم و المساحات و سهولة وصول القارئ إلى المعلومة المنشودة.
و بداخل كل منا يوجد مصمم. فالتصميم هو رغبة إنسانية يتحلى بها الإنسان و تدخل فى شتى نواحى الحياة بدءاً من اختيار الطريقة التي يرتدى بها ملابسه و تنسيقه لغرفته وصولاً إلى الطريقة التي ينظم بها أفكاره. فالإنسان بحاجة دوماً إلى طريقة يعبر بها عن ذاته و تلبي احتياجاته. و المقصود بالتصميم هنا ليس فقط تصميم الجرافيك والتصميم في مفهومه الشامل الذي يتضمن تصميم المنتجات و الأثاث والخزف و غير ذلك من الأشياء التي يستخدمها الفرد في حياته اليومية.
على الرغم من التشابه بين التصميم و الفن و خلط البعض بين المصطلحين إلا أنه من الضرورى لأي مصمم أن يدرك الفروق الجوهرية بينهما. فكثيراً ما نجد شخصاً يقول "لقد قمت بتصميم لوحة زيتية رائعة" أو اخر يردد " إن تصميم المنتجات فن حقيقى". و لكن فى الواقع ما يميز المصمم المحترف هو عدم حُسن اختياره للكلمات التى يُعبر من خلالها عن إنتاجه. فكلمة تصميم – و كما يعرفها المجلس الدولي لجمعيات التصميم الصناعي التابع للأمم المتحدة – تستخدم للإشارة إلى كل ما يستند في أساسه على التكنولوجيا و الاقتصاد و يعرف التصميم على أنه:
نشاط ابتكاري يهدف إلى تحقيق جودة متعددة الأوجه للأشياء أو الخدمات أو العمليات والنظم المرتبطة بها فى كل مجالات الحياة ، ولهذا يعتبر التصميم العامل المحوري والرئيسي للابتكار الإنساني فى مجال التكنولوجيا ، كما هو عامل حاسم فى عمليات التبادل الثقافى والاقتصادى " كما تم وصف المصمم بأنه ذلك الشخص الذي يمارس مهنة فكرية وليس ممارسة حرفة أو القيام بخدمة من خلال مؤسسة تجارية
و بينما يعبر التصميم عن رؤية موضوعية أو يستخدم كحل لمشكلة ما، يعد الفن فقط وجهة نظر صاحبه تجاه قضية أو موقف أو شعور إنساني. و تحدد موضوعية التصميم بمدى قدرته على أداء الوظيفة التي صُمم من أجلها ويمكن التحقق من ذلك عن طريق القياس أو الاختبار.
و فى معظم الأحوال, تطلق كلمة الفن على كل ما يهتم بالجوانب الجمالية أكثر من الجوانب العملية و لذلك نجد أن أساسيات التكنولوجيا كافية لممارسة الفنون. بينما من أسس التصميم الجيد المعرفة العميقة بالخامات و طرق الإنتاج و الدراسة المتعمقة للمعارف التكنولوجية.
عند رسم لوحة، لا يجب على الفنان إجراء أى من دراسات السوق أو معرفة ميول المشاهدين. بينما فى التصميم تعبر هذه الأنشطة من الأساسيات لإنتاج تصميم جيد بالإضافة إلي ارتباط التصميم بعمليات اقتصادية مثل حساب التكلفة و الوصول بها إلى حدود تسمح بالمنافسة مع المنتجات الأخرى.
و بينما يعد اتصال الإنسان بالفن اتصالاً بصرياً فقط يطلق عليه فيه متذوق، فإن اتصاله بالتصميم اتصال مباشر عن طريق الحواس يٌطلق فيه عليه مستخدم. و بينما يشترك كلاً من التصميم و الفن فى كونها عمليتين إبداعيتين، إلا أن هناك عاملاً حاسماً فى التفرقة بينهما و هو أن التصميم تحتل فيه القيمة الوظيفية مرتبة عليا بينما تحتل القيمة الرمزية و الجمالية مرتبة عالية عند تقييم الفنون.
التصميم ما هو إلا حل لمشكلة ما مرئياً و للحصول على تصميم جيد يتلاقى مع المشكلة المراد حلها، لابد من إتباع مجموعة من الخطوات. و على المصمم أن يُفسر و يُحلل و يقوم بإخراج التصميم بناءاً على التطورات العلمية و التكنولوجية المتصلة بمجاله و ذلك حتى يتصل إلى حل لمشكلته فى هيئة صور و رموز و أشكال و علامات ع طريق إتباع عمليات مثل التبسيط و الاستبعاد و غيرها. و المراحل الأساسية لعملية التصميم هي:
اختلفت الآراء حول أصل مصطلح تصميم الجرافيك. فالبعض ينسبه إلى ريتشارد جويت Richard Guyatt المصمم البريطانى ولكن يقترح آخرون مصدرا اخر و هو الكتاب الأمريكي أديسون دوكنز William Addison Dwiggins الذى ظهر فى أوائل القرن العشرين.
و لقد نشأت بعض مظاهر الفن غير المجدى فى روسيا الثورية فى عام 1920 و لهذا كان الاتجاه نحو خلق أشياء مخصصة لأغراض نفعية مش تصميم المبانى و المسارح و الأثاث و الشعارات و غيرها.
و فى عام 1928 وُضعت مبادئ الطباعة الحديثة على يد چان شيكولد jan tschichold فى كتابة بعنوان الطباعة الحديثة. و على الرغم من تبرأه من فلسفته فى هذا الكتاب إلا أن المبادئ المرساة به مازات مؤثرة فى التصميم.
و مع ظهور مدرسة الباوهاوس، سار على دربها العديد من المصممين الذين صاروا اباءاً لتصميم الجرافيك فى العصر الحديث ورواداً تقنيات الإنتاج مثل هربرت باير لاسل Herbert Bayer موهولي ناجي László Moholy-Nagy. و بهذا لاقت تصاميم الجرافيك ذات الطراز الحديث قبولاً على نطاق واسع فى السنوات و أصبح الاقتصاد الأمريكى فى حجاة ماسة إلى تصميم الجرافيك لأغراض الطباعة و التغليف و الدعاية خاصة بعد الحرب العالمية الثانية.
و فى عام 1937 حدثت ثورة هائلة فى مجال الهندسة المعمارية و التصميم الحديث فى شيكاغو نتيجة لهجرة مدرسة الباوهاوس الألمانية و برزت العديد من الأسماء منها جوزيف مولر بروكمان Josef Müller-Brockmann الذى صمم ملصقات توصف بالبساطة و العنف معاً، و أيضاً أدريان فروتايجر Adrian Frutiger الذى نجح فى خلق منهج أمريكى فريد للتصميم عن طريق تطبيق مبادئ مدرسة الباوهاوس على تصميم الدعاية و الشعارات و أصبح رائداً لتصميم الهوية التجارية.
بالنقاط و من أوائل المصممين الذين عملوا على إنتاج التصميم باستخدام الكمبيوتر كانت المصممة سوزانا ليكو Zuzana Licko التى فكرت فى صنع مخطط شكلى للتصميم مع زوجها رودي فاندرلانز Rudy VanderLansو من ثم تأسيس مجلة Emigre والتي أصبحت فيما بعد مرجعاً للتصميم الرقمي. و اللافت للنظر انه فى خلال تلك الحقبة لم تكن أجهزة الكمبيوتر متطورة بالقدر ذاته، حيث كانت تقاس سعة الذاكرة فى ذلك الوقت بالكيلو بايت و تشكل خطوط الطباعة.
و مع ظهور الحاجة الشديدة لأجهزة الكمبيوتر الخاصة بالتصميم و تنافس شركات التكنولوجيا، تم إنتاج أول جهاز كمبيوتر خاص بتصميم الجرافيك من قِبل شركة Apple Macintosh و الذى استخدمه العديد من الناس لإنتاج المواد المطبوعة البسيطة و ذلك لسهولة استخدامه و قلة ثمنه.
و بمرور الوقت، أعيدت صياغة مفاهيم التصميم الجرافيكي بالكامل وذلك نتيجة لتطور التكنولوجيا الرقمية و أجهزة الكمبيوتر فى عقد الثمانينات و بفضل نظام عرض لصور اللى طرحته شركة أبل في أجهزتها Apple Macintosh و الذى أطلق عليه فى ذلك الوقت WYSIWYG اختصاراً لعبارة What you see is what you get بمعنى أن ما تراه هو ما ستحصل عليه بعد الطباعة. و يرجع الفضل فى هذا التطور أيضاً و خاصة مفهوم النشر المكتبى إلى شركة أدوبى Adobe و التى انتجت Adobe pagemaker.
و مع ظهور الانترنت فى الستينات من القرن العشرين كانت البداية لأكبر مكتبة عرفتها البشرية من التصاميم الجرافيكية وذلك نتيجة لسهولة تناقل التصاميم و الصور عبر الشبكة. و مع تطور الانترنت فى السبعينات من ذات القرن، اتجهت كبرى الشركات إلى تطوير بناء أماكنهم الخاصة على الشبكة بالاستعانة بالمصممين و كانت هذه هى البداية لظهور ما يعرف حالياً بتصميم صفحات الويب.
ومع هذا التطور الحافل و المفاهيم الجديدة التى تظهر بشكل مستمر فى المجال، نجد أن مهنة مصمم الجرافيك Graphic designer من أكثر المهن المرموقة فى الكثير من بلدان العالم و ذلك لأنه يساعد فى إنشاء علاقات بصرية جذابة عن طريق مزج اللون و الصورة.