تتمتع حروف الخط العربي بالقدرة على الصعود والنزول والانبساط والمرونة في تغيير اشكالها لذا يعد الخط العربي فنًا تشكيليًا، وتلك الصفات تجعله سهل التعبير عن حركته وكتلته فينتج حركة ذاتية تجعل الخط خفيف الكتلة وذو رونق مستقل يجعله يحقق احساسًا بصريًا ونفسيًا وايقاعًا جميلًا.
يتمتع الخط العربي بصفات خاصة تميزه عن غيره واهمها التجريد في الحروف واستقلاليتها وهو من ابرز الفنون التشكيلية.
يقول الفنان بيكاسو: "إن أقصى نقطة أردت الوصول إليها في فن الرسم وجدت أن الخط العربي قد سبقني إليها منذ أمد بعيد".
من الصعب تشكيل جميع انواع الخطوط للتشكيل خواص وقواعد ومقومات معينة فلا يمكن تركيب وتشكيل خط الرقعة بسبب القواعد الصارمة التي تحكمه وعلى غراره خط النسخ، لذا فإن الامر يعود للخطاط وخبراته وعمق نظرته لكي يتعرف على الخطوط التي يمكن تشكيلها وتركيبها، فتمركزت جهود الخطاطين في ايجاد التراكيب الخطية لخط الثلث والتعليق والديواني والديواني الجلي والكوفي بجميع انواعه.
يبين التشكيل والتركيب في الخط مهارة وقدرة الخطاط على ابتكار تكوين خطي جديد لم يكن موجودًا من قبل، وكذلك قدرته على ملء الفراغات والمزاوجة بين الكلمات والاستفادة من المساحات واختيار الجمل او الآيات التي تقبل التركيب في حروفها.
وهنا يعود الامر للخطاط ومدى معرفته بالخط وتمكنه منه واتقانه له وذلك حتى لا يفقد الحرف شكله ورونقه فلا يسيء للوحة الخطية حتى وان كان التركيب جميلًا ومتقنًا.
يقع على الخطاط في حالات التركيب عبءٌ كبير كي لا يقوده الشكل لذا يجب ان يجيد الحروف ويتقنها جيدًا حتى يستطيع التحكم في اللوحة وشكل الحروف، فبإمكانه إخراج اللوحة بشكل جميل ومتقن ويضفي الراحة النفسية لدى المشاهد المتذوق للخط العربي الذي يستطيع التمييز بين العمل الناجح وغيره، وحتى إن كان المشاهد غير متمكن من الخط وقواعده فإذا رأى لوحة خطية مبعثرة لن يشعر بالراحة ولكنه لن يعرف سر نقصان اللوحة او الخلل فيها كما الخطاط المتمكن.
لذا على الخطاط ان يكثر التدريب والممارسة للخط حتى يقوم برسم الحروف جيدًا وبإتقان فيخرج عملًا فنيًا ناجحًا ومتكاملًا.
من أهم عوامل نجاح العمل الفني هو الاتزان فتوافق الخطوط مع بعضها هو أساس اتزان اللوحة الفنية وبالنظر والتدقيق في الخط العربي سنجد المقاييس التي نحتاجها لكي نحقق سلامة الكتابة الفنية.
ولإظهار الوجه الأصلي للوحة سليمًا من التشويه فلابد من الاتزان في وضع الحجم اثناء تركيب الحروف، وهنا يأتي دور الخطاط في إتقان الحروف وكذلك اختيار التركيب المناسب لها وتساعده حروف اللغة العربية لمرونتها.
تتضح اهمية الاتزان في قدرته على اخراج الوحدة الجمالية المنظمة للعمل حيث يخضع الخط العربي لمبدأ الاتصال والانفصال بين حروفه وكلماته فذلك اصعب ما يواجه الخطاط في التركيب، لذا يجب على الخطاط اختيار النص بدقة ومراعاة الحروف فيه وكونها قابلة للتشكيل ام لا حتى لا يضيع الوقت بلا فائدة.
في اي عمل فني تعتبر الفراغات امرًا غير محبب كونها تضعف العمل وتشوهه، لذلك تفنن الخطاطون على مر العصور في ابتكار طريق لملء الفراغات بعد الانتهاء من العمل الفني مثال ذلك: الضمة والفتحة والميزان والظفر وتجميع اكثر من نقطتين في مكان واحد فيؤدي الى ملء الفراغات الموجودة.
ببلوغ الانسان شيئًا من النضج الفني فبإمكانه تمييز ومعرفة اهمية الفراغ من عدمه في الشكل اما الانسان العادي فلا يهتم بالفراغ ويصب اهتمامه على الشكل الذي قام بكتابته فقط.
يتميز الفن الفن الاسلامي بالايقاع وهو جزء مهم وعامل مؤثر في اللوحة ولزيادة نسبة التوازن بين احجامها فيعطيها منظرًا جماليًا مألوفًا يؤثر في احساس المشاهد، اعتمد الايقاع في الفن الاسلامي على الخط اللين والهندسي وعلى التماثل والتبادل والتناظر وكذلك توزيع الوحدات وتعدد المساحات وتوزيع الخط وسط كل تلك العناصر.
نادرًا ما نرى في اي عمل فني ايقاعًا واحدًا بل غالبًا ما يشمل عدة ايقاعات لكي يُكسب اللوحة تجديدًا وتنويعًا في الشكل، لذا تكون الكتابة العربية في اللوحان الخطية دائمًا اكثر من العناصر الزخرفية.
يعتبر الايقاع في اللوحة الفنية بمثابة القلب للجسم فانتظام ضربات هذا القلب في دقة وتناغم ينتج عنه سلامة وصحة الانسان.
لكي تظهر اللوحة بصورة متناسقة لابد من توزيع مساحاتها وتقسيمها بشكل جيد لتبعث اللوحة روح الهدوء والطمأنينة في نفس من يراها، وهناك بعض الامور التي يجب مراعاتها عند توزيع المساحات في اللوحة وهي:
اما بالنسبة للأسس التي تتحكم في اسلوب توزيع المساحات في العمل الفني فتحكمها عدة بعض الاعتبارات:
وهكذا يمكننا تكوين عمل خطي ناجح بجميع مقوماته وتركيبه المتكامل.
حققت حروف الخط العربي اتجاهًا فنيًا متكاملًا على مر العصور حيث بلغ الخط العربي درجة عظيمة من التقدير والاهتمام لم تحظى به اي من الخطوط الاخرى. اما مجموعة الصفات والخصائص التشكيلية التي يتميز بها الخط العربي ويحمل قيمًا جمالية فتلك هي المقومات التشكيلية له التي تدعم طبيعة حرفه وتعطي للخط روحه وشخصيته الفريدة وهي:
وهي امتداد الحروف القائمة مع إمكانية التحكم في طولها كاللام والألف وقوائم الظاء والطاء واللام الف، وتعني هذه الصفة اننا يمكن ان نتحكم في امتداد طول الحرف وقصره مما يعطينا إحساسًا بالصعود والنمو.
وهو مد اجزاء الحروف الافقية مثل حرف السين والصاد والياء والكاف فيعطي احساسًا بالاتزان والاستقرار في شكل الحروف.
ما نعنيه بتدوير الحرف هو تقويسه على هيئة نصف دائرة سواء للخارج (تحدب) او للداخل (تقعر) مثلًا في حروف الجيم والحاء والخاء والسين والشين والصاد والضاد فيعمل ذلك على اظهار الحرف بشكل حيوي وتنوع أشكال الحركة في تكوينه.
المطاطية في الحروف هو قابليتها لزيادة الحجم والطول مثل حروف الراء والهاء والواو والنون وغيرها، بداية من تقويسها او استدارتها او الانحناء في جسم الحرف وقد يؤدي ذلك المبالغة في علو وهبوط اجزاء الحرف، وقد يعني المط ايضًا شد الحروف وفردها فيكسبها مظهرًا اكثر حركة وليونة.
ضغط الحروف اي تجميع اجزائها معًا وهذا عكس المط او الفرد فتصبح الحروف صغيرة الحجم ومنكمشة وفتحاتها قليلة او مسدودة مما يفيد في نواحي الحروف الشكلية التعبيرية.
التزوية او التربيع هي قابلية الحروف أن تكتب او ترسم باشكال هندسية مستطيلة او مربعة وغيرها وتعتبر صفة من صفات الخط الكوفي.
يعتبر التداخل او التشابك من الصفات المميزة للخط العربي خاصةً في الحروف الرأسية كالألف واللام، فتمتد حروفه تلك وتتشابك مع بعضها صانعةً حوارًا شكليًا جميلًا فتصبح اقرب للزخرفة، وللتشابك اشكال متعددة فقد يكون تعقيدًا او ترابطًا او تضفيرًا حيث تصنع الحروف معًا شكل الضفيرة.
يمكننا ان نرسم حروف الخط العربي بأشكال متعددة ومتنوعة لكل حرف على حدى فتختلف في السمك والليونة والحجم وقد يكون هذا ما يعطي الحروف الكثير من الثراء والتنوع.
كما ابدع العرب والمسلمون في الكثير من الفنون التشكيلية فقد ابدعوا كذل في الخط العربي واعطوه فلسفة جمالية تميزه عن تلك التي لدى الفنون الغربية، من مميزاتها تلاحم الشكل مع الموضوع وكما قال ابن حيان "هو هندسة روحية ظهرت بآلة جسدية" فهو غالبًا امر روحي. ويؤكد علي ابن ابي طالب امر التلاحم فيقول "الخط الحسن يزيد الحق وضوحا"