قد يخلط البعض احيانًا بين الخط العربي والكتابة وشتان الفارق بينهما فكلمة الخط هي مصطلح مرتبط بالخط العربي الذي ابتكره المسلمون وطوروه ويحتوي انماطًا وانواعًا مختلفة من الرسوم الحرفية محكومة بقواعد وضعها الخطاطون وقد قاموا بتطويرها مع مرور الزمن حتى استقرت على شكلها الحالي المعروف، وهي ستة خطوط رئيسية سنتحدث عنها لاحقًا.
لكي نعرف الخط العربي سنجد ان كلمة خط تعني "خط بالقلم اي كتب" وكذلك في حضارات اخرى ايضًا ارتبط الخط بالكتابة سواء كانت عربية او انجليزية او غيرها، فهذا التعريف فيه نوع من الشمولية.
اما حين نقول الخط العربي فنحن هنا نحدد ونخصص اكثر هذا التعريف ونربط الخط بالعربي فيعني رسم الحروف العربية رسمًا جميلًا لتخرج بصورة فنية يظهر فيها التناسق والتطابق والانسياب والتكامل وقد عرفه النقشبندي في كتابه صبح الأعشى بأنه:
ما نتعرف منه صور الحروف المفردة وأوضاعها وكيفية تركيبها.
تعدد آراء المؤرخين والادباء في الخط العربي وتعددت كذلك مفاهيمه وتعاريفه، ويرى المختصون ان افضلهم هو تعريف الشيخ محمد طاهر الكردي حيث قال:
أن الخط ملكة تنضبط بها حركة الأنامل بالقلم على قواعد مخصوصة حيث يشمل جميع أنواع الخطوط العربية والأجنبية وما سيخترع بعد ذلك.
علم تعرف فيه صور الحروف المفردة وأوضاعها، وكيفية تركيبها خطا، وما يكتب منها فى السطور، وكيفية كتابته وإبدال ما يبدل منها فى الهجاء وبماذا يبدل
ويعد الخط فن مستقل له قواعده وفروعه التي تميزه عن الفنون الأخرى مثل الكتابة والرسم.
اذا تبادر الى ذهنك سؤال عن سبب ظهور الخط العربي فهذا امر بديهي، فلابد لكل عملٍ ان يتم من حاجة تدعو الى ظهوره او ظروف مرت فأدت لاكتشافه، وكذلك حاجات الخط العربي:
لطالما كانت وسيلة الانسان للتعبير عن فكره واحاسيسه هي الكلام بألفاظه ومفرداته وجمله فهو اعلى الوسائل وافضلها لنشر العلم والمعرفة والتحدث مع الناس لأن العبارات المنطوقة اقوى في التعبير عما يجول بخاطره وافصح من اي وسيلة اخرى، ويأتي بعد العبارة المنطوقة، ليفصح الانسان عن فكره، العبارة المكتوبة.
منذ زمن بعيد وللكتابة فضل كبير في حفظ تراث الامم التي جاءت قبلنا في دواوين العلم، وفي وقتنا الحاضر زادت اهميتها واثارها وتطورت وسائل الطباعة سريعًا لتناسب روح العصر وتفي بحاجته.
فكتب القلقشندي كتابه صبح الأعشى في صناعة الإنشا المكون من اربعة عشر جزءًا والذي يعتبر قاموسًا للكتابة المليء بالفوائد الرائعة، وقال في فضل الكتابة:
"إن أعظم شاهد لجليل قدرها وأقوى مثل على رفعة شأنها أن الله تعالى نسب تعليمها إليه جل جلاله وإعتبرها من وافر كرمه"
ثم قال بأن الله سبحانه وتعالى وصف بها الحفظة الكرام من ملائكته فقال جلت قدرته "وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين"
ويقول أيضا: ليس بين الصناعات ما يلحق بضاعة الكتابة ولا يكسب ما تكسبة من الفوائد مع الحصول على الرفاية والتنزه عن دناءة المكاسب ، ثم مع ما توصل إليه من مشاركة الملوك والرؤساء. وكفى بهذه الصناعة شرفا أن صاحب السيف يزاحم الكاتب فى قلمه ولا يزاحمه الكاتب فى سيفه.
ويقول ايضاً: وقد اشتغل بالكتابة عِلية البشر، ومنهم من صاروا أنبياء أو خلفاء، ومن هؤلاء يوسف عليه السلام الذى كان يكتب للعزيز بمصر – وهارون ويوشع بن نون عليهما السلام وكانا يكتبان لموسى عليه السلام، ومنهم ابوبكر وعمر وعثمان وعلى رضى الله عنهم اجمعين، وكانوا يكتبون للرسول عليه الصلاة والسلام، ثم أصبحوا بعده خلفاء الواحد بعد الآخر.
وقال إبراهيم بن محمد الشيباني:
الخط لسان اليد وبهجة الضمير وسفير العقول ووصى الفكر وسلاح المعرفة وأنس الإخوان عند الفرقة ومستودع السر وديوان الأمور .... أنتهى كلامه رحمه الله.
وقد قالو فى الخط:
- الخط عقال العقل (أفلاطون)
- الخط هندسة روحانية وإن ظهرت بالة جسمانية (أقليدس)
ومن الحكم العربية والإسلامية فى الخط:
مرت الخطوط الاسلامية ولا سيما الاصلية المستقلة منها بمراحل طويلة منذ بدء ظهورها حتى مراحل اكتمالها وقد اشتهرت وانتشرت اليوم بين المسلمين جميعًا، وهذه المراحل منذ مطلع لعصر اسلامي حتى عصرنا الحالي هي ستة مراحل، برز فيها الكثير من الخطاطين:
في بداية مراحل الخط الكوفي كان لا بنقط ولا تشكيل وخاليًا من الإعراب والضوابط وسبب ذلك عسرًا في القراءة عند غير العرب، فكان ابو الاسو الدؤلي هو اول من برع في هذا المجال فنقط الحروف لتكون بمثابة الحركات لها (كالفتحة والضمة والكسرة) كان ابو الاسود الدؤلي تلميذ الامام علي رضي الله عنه، بينما تم تنقيط الحروف لتمييزها في اواخر عصر بني امية في عهد الملك بن مروان على يد نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر، ثم ابتكر الخليل بن احمد في عام 170 ه الحركات والضوابط الأخرى التي نستعملها اليوم.
وبها مرحلة من اواخر بني امية ومرحلة من اوائل العصر العباسي الى المأمون، فهما مرحلتان:
الاولى: مرحلة ما قبل المأمون وتعتبر مرحلة اختراع الخطوط والتحول الكبير
الثانية: مرحلة خلافة المأمون وكانت مرحلة ايجاد الخطوط وجمعها وتهذيبها
وظهرت في تلك المرحلة عدة انواع من الخطوط على ايدي: قطبة والضحاك وإسحاق وإبراهيم ويوسف الشجرى وعدد اخر من أهل العراق دعوا بالوراقين واشهر هذه الخطوط:
الجليل – السجلّات – الديباج – الطومار الكبير – الثلثان الصغير والثقيل – الزنبور -المؤامرات – الحرم – العهود – القصص – الأجوبة – النصف الثقيل – الثلث – الكبير كما ظهر بعدها اثنا عشر خطًا اخر هى:
السميعى – الأشرية – الخرفاج الثقيل – الخرفاج الخفيف – المفتّح – مفتح النصف – خفيف الصف – المدور الكبير (الرياسى) – المدور الصغير – النرجس – خفيف الثلث الكبير – الرقاع وظهر قلم آخر هو المحقّق او الورّاقى.
ومنذ ذلك الوقت، من سنة 198-218 هـ ظهر أشكال من الخطوط ذات طابع دقيق او طابع غليظ، ووضحت كيفية استعمالها، كما برزت خطوط اخرى عن طريق الكتاب و المنشئين فى ديوان المأمون ولا سيما قطبة المحرر الذى سانده ذو الرياستين الفضل بن سهل وهذه الخطوط هى:
الأمانات – المُدمج – المُرصّع – النسّاخ – المنثور – الوشى – المكاتبات – غبار الحلبة – البياض – المسلسل – الحوائجى.
وبسبب هذا التطور تم اختراع ستة وثلاثين خطًا واستقر وضع الخط والخطاطين على هذا الأساس إلى ان انتهى إلى ابن مُقلة.
عن طريق مساعي ابي علي محمد بن مقلة الوزير واخيه تطورت هذه المرحلة، وكان عملهما الرئيسي هو انهاء اضطراب وضع الخطوط والحد من الهرج والمرج فيها وانتخاب اربعة عشر نوعًا منها لتهذيبها ووضع الاسس والقواعد لها على اساس التدوير وهندسة ابعاد الحروف والبسط وايصال خط النسخ الى مرتبة الكمال والتوقيعات على الرقاع وتهذيب الخط المحقق وتحديد اثنتي عشرة قاعدة.
في عهد القادر بالله العباسي وبهاء الدولة الديلمي تم هذا التطور على يد ابي الحسن بن هلال المعروف بابن البواب وقد قام بتطوير مجموعة الخطوط المختارة من ابن مقلة وتنظيمها على اساس القاعدة الهندسية الخاصة به واستخدم القواعد الاثني عشر التي حددها ابن مقلة ونظمها على طريقة اخرى من اختراعه وقاس الكلمات والحروف بميزان النقاط وعمل على نشر منهجه الخطي واكتشف الخط الريحاني.
شاعت خطوط ابن البواب واستمر منهجه الخطي حتى نهاية حكم المماليك في مصر 784-922 هـ ونسب اليه ثلاثة عشر خطًا في كتاب المحاسن.
قام ياقوت المستعصمي في هذه المرحلة بجرح الخطوط وتعديلها وتثبيت الخطوط الستة، فكان يعيد تنظيم خطوط ابن البواب وابن مقلة على اساس الهندسة والنقطة بدقة اكبر ووفقًا لما هو مشهور في زمانه فكان عليه اختيار ستة خطوط فقط وان يسعى لتحسينها وتجميلها وترويج ابتكاراته الفنية الخالصة فيها حتى كادت ان تنسى باقي الخطوط ما عدا الخط الكوفي، وكانت تلك الخطوط الستة التي اختارها هي: الثلث – النسخ – الريحان – المحقق – التوقيع – الرقاع.
نتيجة لهذا التطور ظل منهج ياقوت متبعًا حتى يومنا هذا لكن رونقه لم يكتمل الا في القرن التاسع والعاشر.
بدأت هذه المرحلة في القرنين السادس والسابع على ايدي الايرانين بالأخص حيث ظهرت ثلاثة خطوط جديدة في ثلاثة قرون، بلغت مرحلة النضج في القرنين الثامن والتاسع ثم الكمال في العاشر والحادي عشر وحتى عصرنا الحالي، وتلك الخطوط هي: التعليق – النستعليق – المكسّر، ونتيجة للاهتمام الكبير بهذه الخطوط وترسيخها اصبحت على ما هي عليه اليوم.
والذين كانو السبب فى نهضة الخط وتقدمه فى التعليق الخواجه تاج سلمانى الاصفهانى والخواجة اختيار المنشى الكُنا بادى.
وفى النستعليق مير على التبريزى، وجعفر البايسنغرى، وسلطان على والمشهدى، ومير على الهروى، ومالك الديلمى، ومحمد حسين التبريزى، ويابا شاه الاصفهانى، ومير عماد الحسنى القزويني.
وفى المكسّر مرتضى قليخان، وشاملو، وشفيعا، ودرويش عبد المجيد الطالقانى.