في الجاهلية عرف العرف بفصاحة اللسان وجمال التعبير، بالإضافة إلى الإيجاز والبعد عن الحشو والإطالة في الكلام الذي لا فائدة منه. هذا كله لم يكن نتيجة علم درسوه أو قواعد يسيرون عليها، إنما كان هذا طبع فيهم.
أما في عصر صدر الإسلام فكان هناك بلاغة القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وخطب الخلفاء الراشدين. إذا انتقلنا إلى عصر بنى أمية سوف تجد أن ازدهار الخطابة وتنوعها في هذا العصر أدي إلى كثرة الملاحظات البلاغية، لأن في هذا الوقت انتقل العرب وسكنوا المدن والأمصار وقامت الأسواق الأدبية على غرار سوق عكاظ في الجاهلية…وغيرها من العصور التي ازدهرت فيها البلاغة.
أعظم فائدة تعود على المرء من دراسة علوم البلاغة وفهمها جيدًا، هي معرفة أسرار اللغة العربية وخصائص أسلوبها. ويساعد كذلك على الإطلاع على الجانب البلاغي الذي يهتم بمعرفة أسرار التراكيب وتصوير المعاني والأفكار وعرض الأساليب في ألوان جمالية بديعة.
معرفة الكلام البليغ وفهمه لا يأتي إلا من خلال الدراسة والبحث والتأمل فيه. وفي هذا الجزء سوف نقدم علم البلاغة المقسم إلى علوم البيان والبديع والمعاني. يجب أن تعلم أولًا أن البلاغة العربية في أول الأمر وحدة شامة المباحث بدون تحديد أو تقسيم هذه العلوم، لكن شيئًا فشيئًا أخذ المنشغلون بالبلاغة العربية يتجهون بها إلى منحنى التخصص والاستقلال، لذا دعنا ندرس هذا العلم بشيء من التبسيط.
هو علم تصوير الكلام بما يتناسب مع المخاطبين. أي لكل مقام مقال. حيث يجب مخاطبة كل شخص على قدره، أي لا يجب الخلط بين طريقة مخاطبة الرجل العامي ومخاطبة الرجل الفصيح؛ كل منهما له شكل في الاستيعاب وحظه في انتقاء الكلام والألفاظ.
يتمثل علم المعاني كذلك في مطابقة الكلام لمقتضى الحال أي وفقًا للغرض الذي سيق له، من حيث الإيجاز والإطناب وفقًا للموقف. أي عندما الموقف يستدعى استخدام الكثير من الكلام لتوضيح الفكر توضيحًا وافيًا، أو استخدام كلمات أقل لشرح ما يجول في خاطره. وبالتأكيد هذا يعتمد على من يستقبل الكلام وقدرته على الاستيعاب.
علم المعاني يساعدنا على اختيار التركيب اللغوي المناسب للموقف.
الخبر والإنشاء هم من أقسام الكلام. بالنسبة إلى الخبر فهو ما يتم تداوله أو تناقله بين مجموعة من الأفراد وقد يحمل هذا الخبر الصواب أو الخطأ، فإذا كان هذا الخبر صائبًا يكون قائله صادقًا، أما إذا كان خاطئًا يكون قائله كاذبًا. أما بالنسبه إلى الإنشاء فهو لا يحتمل الصواب أو الخطأ.
من المتفق عليه أن الخبر إما أن يكون جملة اسمية أو جملة فعلية. (سبق شرح الفرق بين الجملة الاسمية والجملة الفعلية ومكوناتها في جزء الصرف والنحو)
مثل قول الله تعالى: "رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبًا"
عندما استعطف المتنبي السلطان أثناء وجوده في محبسه:
دعوتك عند انقطاع الرجاء...والموت مني كحبل الوريد
دعوتك لما براني البلاء...وأوهن رجلي ثقل الحديد
كقول أبي فراس الحمداني عندما عرف بمرض أمه وهو في السجن:
عليلة بالشام مفردة...بات بأيدي العدا معللها
تمسك أحشائها على حرقٍ...تطفئها والهموم تشعلها
تسأل عنا الركبان جاهدة...بأدمع ما تكاد تمهلها!
عندما مدح المتنبي سيف الدولة:
أرى كل ذي ملك إليك مصيره ...كأنك بحر والملوك جداول
إذا أمطرت منهم ومنك سحائب...فوابلهم طل وطلك وابل
مثل قول جرير:
إذا غضبت عليك بنو تميم...رأيت الناس كلهم غضابا
مثل قول أحمد شوقي الشهير:
وما نيل المطالب بالتمني...ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
ينقسم الإنشاء إلى:
هو طلب الفعل بشكل من الاستعلاء والإلزام. وله 4 صيغ وهي كالتالي:
هو طلب عدم القيام بفعل ما والامتناع عنه. والنهي على عكس الأمر له صيغة واحدة.
مثل قول الله تعالي:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ"
أما النهي في الشعر مثل:
لا تخلني أرضى الهوان لنفسي...الرضا بالهوان عجز صريح
هو طلب من أجل العلم بشيء لم يكن معلومًا وواضحًا من قبل. من أدوات الاستفهام الهمزة وهل...وغيرها. مثل:
أمحمد حضر أم عمر؟
أمبكرًا حضرت أم متأخرًا؟
أتزرع التفاح في الصيف؟
أتذهب إلى الحفل مساءً؟
هل تحب القراءة؟
هل تفضل الموسيقى؟
كم هو موضح في الأمثلة السابقة، بالنسبة إلى الهمزة الغرض منها:
أما بالنسبة لهل: تستخدم من أجل التصديق أي إدراك النسبة والإجابة يكون بنعم أو لا.
باقي أدوات الاستفهام الغرض منها التصور: أي إدراك وتعيين المفرد. (تم الحديث عنها بشكل مفصل في جزء الصرف والنحو وتوضيح معنى وغرض كل منهما)
هو طلب أو الرجاء في الحصول على شيء، وذلك لكونه مستحيلًا أو من الصعب الحصول عليه.
مثل القول المشهور: ليت الشباب يعود يومًا...فأخبره بما فعل المشيب
مثل قول الله تعالى: "يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين"
مثل قول الله تعالى: "فهل إلى الخروج من سبيل"
قول الشاعر: " هل الأزمن اللائي مضين رواجع"
قول الشاعر: "لعلي لمن هويت أطير"
قول جرير: "ولى الشباب حميدة أيامه...لو كان ذلك يشترى أو يرجع"
قول الله تعالى: " عسى ربنا أن يبدلنا خيرًا منها"
هو طلب الهدف منه إقبال المنادى عليه على المنادي بأحد الحروف التي تنوب عن الفعل "أدعو".
هذه الأدوات " الهمزة، أي، يا، أيا، هيا، آي، وا. (سبق الحديث عنها بالتفصيل في جزء الصرف والنحو)
الهمزة تستخدم لنداء القريب.
باقي الأدوات تستخدم لنداء البعيد.مثل:
أسكان نعمان الأراك تيقنوا...بأنكم في ربع قلبي سكان
يا من يرجى للشدائد كلها...يامن إليه المشتكى والمفزع
في البيت الشهير للمتنبي الذي استخدم فيه النداء وكان بغرض الإغراء:
يا أعدل الناس إلا في معاملتي...فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
ما أحسن زيدًا!
وقوله تعالى: " كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتًا فأحياكم"
نعم صفة الإخلاص
نعم قول الحق
بئس الكذب
بئس سرقة الأموال
التي تتمثل في: بعت، واشتريت، ووهبت، وأعتقت.
يكون من خلال عسى، أو اخلولق، وحرى مثل قول الله تعالي: [فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ]
يكون من خلال الواو، أو بالباء، أو بالتاء.
جميع الجمل التي ننطق بها تتكون من كلمات، ولأننا لا نستطيع الحديث بكل الكلام مرة واحدة، لذا نقدم البعض ونؤخر البعض. يتم تقديم هذا الكلام بناءً على الأغراض البلاغية والدواعي المستخدمة فيها.
كقول الشاعر: ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها...شمس الضحا وأبو إسحاق والقمر.
قول المعرّي أبو العلاء: والذي حارت البرية فيه...حيوان مستحدث من جماد
لقب الطالب المثالي سوف تحصل عليه غدًا.
الخسائر لحقت بالعدو.
مثل قوله: أمثلي تقبل الأقوال فيه...ومثلك يستمر عليه كذب؟
أو قوله: والذي حارت البرية فيه... حيوان مستحدث من جماد؟
مثل:
وما أنا أسقمت جسمي به...ولا أنا أضرمت في القلب نارا
التنبيه على أنّ المتقدم خبر لا نعت
نحو قوله تعالى (ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين)
من أسرار اللغة العربية معرفة مواضع الوصل والفصل بين الجمل. الوصل عند علماء اللغة هو الوصل بين الجمل باستخدام الواو أما الفصل هو ترك الجمل بدون الوصل بينها بأي أداة.
الوصل: أعز مكان في الدنا سرج سابح...وخير جليس في الزمان كتاب
الفصل: عادة الأيام لا أنكرها...فرح تقربه لى بترح
في الوصل تستخدم واو العاطفة فقط دون بقية حروف العطف؛ الواو هي الأداة الوحيدة التي تخفي الحاجة إليها، على عكس العطف بغير الواو حيث يفيد العطف بالفاء الترتيب والتعقيب، أما ثم يفيد الترتيب والتراخي...وغيرها من حروف العطف.
وما الدهر إلا من رواة قصائدي...إذا قلت شعرًا أصبح الدهر منشدًا
كفى زاجرًا للمرء أيام دهره...تروح له بالواعظات وتغتدي
قول الله تعالى: "أمدكم بما تعلمون. أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون"
مثل قول الشاعر: لا تحسب المجد تمرًا أنت آكله...لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
مثل قول الله تعالى: "قالوا لا تخف"
أنت أيقظتني وأطلعت عيني...على عالم من السر أخفى
قول الشاعر أبي العلاء المعري:وحب العيش أعبد كل حر ...وعلم ساغبا أكل المرار
قال تعالى: (إنّ الذين كفروا ويصدّون عن سبيل الله)
الأفضل في هذه الحالة أن تتفق الجملتان في الاسمية والفعلية، أما الفعلية تتفق في الأفعال من ناحية الماضي أو المضارع، والاسمية من نوع المسند سواء كان مفرد أو جملة أو ظرف.
مثل قول الله تعالى: "إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم"
قول الشاعر: عالجوا الحكمة واستشفوا بها....وانشدوا ما حل منها في السير
يجب الوصل بين الجملتين إذا اختلفتا خبرًا وإنشاءً، يكون هذا على الأكثر في الإجابة بالنفي على السؤال أداته "هل" أو "همزة التصديق" مع التعقيب على جملة النفي بجملة دعائية.
مثل:
الإيجاز نوعان
حذف الحرف: قول امرئ القيس: فقلت يمين الله أبرح قاعدًا...ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي في هذا البيت تم حذف لا من "لا أبرح".
حذف المضاف: قول الله تعالى: "واسأل القرية التي كنا فيها" المقصود هنا اسأل أهل القرية التي كنا فيها.
حذف الموصوف: قول الله تعالى: "وآتينا ثمود الناقة مبصرة" في هذه الأية هو لا يرد توضيح أن الناقة مبصرة أو كفيفة ولكن يريد معنى أعمق من ذلك وهي أنها "آية مبصرة" وقد حذف الموصوف وحل محلها الصفة.
عكس الإيجاز، والإطناب كل ما جاوز مقدار الحاجة من الكلام .
علم البيان هو علم يراد به توصيل المعنى الواحد بطرق مختلفة لوضوح الدلالة عليه. نقدم في هذا الجزء دراسة مفصلة تحليلية لعلم البيان من خلال الكثير من النماذج والأمثلة للتشبيه والمجاز والكناية. تم تقديم التشبيه على المجاز لأن منه الاستعارة؛ وهي مبنية على المبالغة في التشبيه. أي التشبيه في منزلة الأساس من البناء أو بمنزلة الأصل من الفرع.
تم تقديم كذلك المجاز على الكناية لأنه بمنزلة الجزء من الكل، لأن المعنى المقصود من المجاز هو اللازم فقط.
يقصد بالتشبيه في اللغة التمثيل، وهو مصدر مشتق من الفعل شبَّه. والتشبيه هو مشاركة أمر لأمر آخر في معنى بإحدى أدوات التشبيه لفظًا أو تقديرًا وفيها يزيد أحدهما عن الآخر في هذه الصفة. وقد لا يكون هناك تطابق بين الشيئين ولكن من الممكن وجود صفة ما مشتركة بينهما.
وهو أسلوب من الأساليب البيانية ويدل على مدى بلاغة الشاعر أو الكاتب وقدرته على الإبداع.
من بلاغة التشبيه أنه يشبه الشيء بما هو أكبر وأعظم، لأن استخدام التشبيه يكون من أجل المبالغة سواء بالمدح أو الذم أو البيان أو الإيضاح.
في التشبيه لابد من تقدير لفظ "أفعل"، إذا لم تقدر على هذا اللفظ، فليس بتشبيه بليغ.
هناك الكثير من التعريفات للتشبيه منها:
ملاحظة يجب وضعها في الاعتبار وهو أن "التمثيل" نوع من أنواع التشبيه، هذا هو رأي عبد القاهر الجرجاني الذي يقول: " التمثيل ضرب من ضروب التشبيه، والتشبيه عام والتمثيل أخص منه، فكل تمثيل تشبيه، وليس كل تشبيه تمثيلًا."
يقول البحتري في ممدوحه:
هو بحر السماح والجود فازدد منه قربًا تزدد من الفقر بعدا
في هذا المثال التشبيه عام، لأن البحتري فيه يشبه ممدوحه بالبحر في الجود والسماح، وجه الشبه هنا في البيت "مفرد"، حيث جاء نتيجة اشتراك الممدوح والبحر في صفة الجود.
أما المتنبي وسيف الدولة:
يهز الجيش حولك جانبيه كما نفضت جناحيها العقاب.
في هذا البيت التشبيه تمثيلي، لأن المتنبي يشبه صورة جانبي الجيش وسيف الدولة بينهما وما فيهما من حركة وإضراب كالعقاب الذي تنفض جناحيها وتحركهما. ووجه الشبه هنا ليس مفردًا، لكنه متعدد ، حيث وجود جانبين لشيء في حالة حركة وتموج.
قال رشيد الدين الوطواط:
فوجهك كالنار في ضوئها وقلبي كالنار في حرها
هنا شبه رشيد الدين الوجه بالنار في ضوئه ونوره وإشراقه، وكذلك هناك تشبيه آخر في الشطر الثاني عندما شبه القلب كالنار في حرها.
المشبه و المشبه به يسميان طرفًا التشبيه، وهما من الأركان الأساسية، وبدونهما لا يكون تشبيه. أساس التشبيه أن يقع بين شيئين بينهما اشتراك في صفات أو معان، ويختلفان في أشياء يتميز كل واحد منهما عن الآخر فيها.
إذا تشابه الشيئين في جميع الصفات والمعاني ولم يوجد أي تغيير في أي منهما، لم يعد هناك تشبيهًا بل صارا الاثنين كيانًا واحدًا.
على سبيل المثال نقول:
في المثال الأخير "أحمد كالأسد في الشجاعة" في هذا المثال هو مشاركة أمر أحمد، لأمر هو الأسد. في المعنى وهو الشجاعة بإحدى أدوات التشبيه وهي الكاف. من الممكن حذف وجه الشبه وتبقي أداة التشبيه "أحمد كالأسد"، من حقك أيضًا حذف أداة التشبيه والإبقاء على وجه الشبه "أحمد أسد في الشجاعة". كذلك تستطيع حذفهما معًا فتقول "أحمد أسد".
أوضح صور التشبيه هي الصورة الأولى، "أحمد كالأسد في الشجاعة" لأنها جمعت جميع أركان التشبيه.
طرفا التشبيه( المشبه أو المشبه به): إما حسيان أو عقليان أو مختلفان.
ما يتم إدراكه من خلال الحواس الخمس الظاهرة (البصر- السمع- اللمس- الشم- التذوق).
ما يدرك بالبصر مثل: الألوان والأشكال والمقادير والحركات وما يتصل بها. مثل قول الله تعالى" كأنهن الياقوت والمرجان" - شعرك كالليل أي في سواد الليل.
ما يدرك بالسمع مثل: الأصوات الضعيفة والقوية والمتوسطة. أي عندما نقول: صوتك كالبلبل أي في جمال صوت البلبل.
ما يدرك بالتذوق مثل: جميع ما يؤكل مثل تشبيه بعض الأطعمة بالعسل والسكر.
ما يدرك بالشم مثل: الروائح الطيبة والكريهة.
ما يدرك باللمس مثل: الساخن والبارد، الخشن والناعم، الصلب واللين...وغيرها.
يتم إدراك هذا النوع من التشبيه بالعقل، مثل تشبيه الجهل بالموت. في هذا النوع أيضًا ما يدرك بالوجدان مثل اللذة والألم، والشبع والجوع، الفرح والغضب.
هنا يكون طرفا التشبيه أحدهما عقليًا والآخر حسيًا. كما في قول أمير الشعراء:
والنيل يقبل كالدنيا إذا احتفلت لو كان فيها وفاء للمصافينا!
حيث شبه إقبال النيل أي فيضانه وهو" حسي"، بإقبال الدنيا واحتفائها وهو أمر "عقلي".
كل لفظ يدل على معنى التشبيه من المماثلة والاشتراك. وهي
يشبه ويشابه ويماثل ويضارع ويحاكي ويضاهي.
الأسماء التي تستخدم في التشبيه "مثل" و "شبه" و "نظير". كقولك: أحمد مثل الأسد - ليلي شبه القمر.
المعنى الذي يشترك أو يرتبط فيه طرفا التشبيه تحقيقًا أو تخييلًا. المراد بالتحقيق هو أن يتحقق المعنى المشترك في كل من الطرفين على وجه التحقيق، مثل تشبيه الشعر بالليل ووجه الشبه هنا السواد وهو مأخوذ من صفة موجودة في كل واحد من الطرفين، مع اختلاف هذه الصفة في درجة قوتها وضعفها في كل الطرفين.
التحقيق: ما يكون وجه الشبه فيه قائمًا بالطرفين حقيقة، مثل قول الشاعر:
وأدهم كالغراب سواد لونه يطير مع الرياح ولا جناح.
فقد شبه الشاعر الفرس الأدهم بالغراب في لونه وهو السواد، فوجه الشبه بين الطرفين هو: السواد، وهو متحقق بين الطرفين.
أما التخيلي: ما لا يكون وجه الشبه فيه قائمًا بالطرفين أو بإحداهما إلا بالتخيل. على سبيل المثال، "صوت هذا الرجل، كصوت البلبل في الحلاوة" فقد شبهت صوت الرجل بصوت البلبل في الحلاوة، والحلاوة ليست داخلة في صوت المغني ولا في صوت البلبل إلا تخيلًا؛ لأنها مما يذاق والصوت مما يسمع.
أما التخييل أي هذه الصفة لا يمكن أن توجد في المشبه به إلا على سبيل التأويل أو التخييل.
مثل قول التنوخي:
وكأن النجوم بين دجاها سَنَنٌ لاح بينهن ابتداع.
وجه الشبه هنا، هو الهيئة التي تحدث نتيجة أشياء مشرقة في جوانب شيء مظلم أسود.
ما ذكرت فيه أداة التشبيه. وسُمي بالمرسل نتيجة لإرساله عن التأكيد. قد يكون التشبيه مفصلًا مثل "الرجل كالأسد في الشجاعة" أو مجمل مثل "الرجل كالأسد".
ما حذفت منه أداة التشبيه، وتأكيد التشبيه نتيجة ادعاء أن المشبه نفس المشبه به. التشبيه المؤكد أبلغ من التشبيه المرسل وأوجز.
مثل قول الله تعالى: "وترى الجبال تحسبها جامدة، وهي تمر مر السحاب." أي أن الجبال ترُى يوم ينفخ في الصور تمر كمر السحاب، أي تسير في الهواء كسير السحاب الذي تسوقه الرياح.
هذا النوع من التشبيه ينقسم إلى:
يتم حذف أداة التشبيه ووجه الشبه أي يقتصر فقط على المشبه والمشبه به، وقد عُرف بهذا الاسم نتيجة لقوة المبالغة فيه، مثل"فاقضوا مآربكم عجالًا إنما .. أعماركم سفر من الأسفار". يأتي التشبيه البليغ على صورة:
في هذا النوع من التشبيه يتم تشبيه صورة بصورة أخرى وينقسم إلى:
هو جعل المشبه مشبهًا به بادعاء أن وجه الشبه فيه أقوى وأظهر. يكون الغرض من هذا التشبيه هو المبالغة.
من أمثلة التشبيه المقلوب قول ابن المعتز:
والصبح في طُرَّة ليل مسفركأنه غرة مهر أشقر
المشبه هنا هو الصبح والمشبه به هو غرة مهر أشقر. في عرف الأدباء تشبه دائمًا غرة المهر بالصبح، لأن وجه الشبه وهو البياض أقوى في الصبح منه في المهر. في هذا البيت فضل الشاعر المبالغة، لذا هذا التشبيه مقلوب.
المألوف دائمًا أن يشبه الشيء دائمًا ما هو أقوى وأوضح منه في وجه الشبه؛ ليكتسب منه قوة ووضوحًا.
تشبيه لا يوضع فيه المشبه أو المشبه به في صورة من صور التشبيه المعروفة، بل يلمحان له في التركيب ومضمون الكلام.
من أمثلة التشبيه الضمني قول ابن الرومي:
قد يشيب الفتى وليس عجيبًا أن يُرى النور في القضيب الرطيب
في هذا البيت يوضح الرومي أن الفتى قد يشيب في ريعان الشباب، وهذا ليس بالأمر العجيب لأن الغصن الغض الندى قد يظهر فيه الزهر الأبيض قبل أوانه. الأسلوب الذي عبر به الرومي عن فكرته هنا يتضمن تشبيهًا لكن لم يصرح به.
إذا ارتبطت صورتان بأداة تشبيه. مثل قول الله تعالى:" مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" في هذه الآية شبه الله سبحانه وتعالى هيئة الذين ينفقون أموالهم على الفقراء والمساكين من أجل بلوغ رضاه مثل هيئة الحبة التي أنبتت سبع سنابل، وفي كل سنبلة 100 حبة، وأن الله يضاعف لمن يشاء هذا الثواب.
قال تعالى في شأنِ اليهود (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ...).
حيث شبهت الآية هيئة اليهود الذين حُمَّلوا بالتوراة ثم لم يقوموا بها ولم يعملوا بما فيها بحالة الحمار الذي يحمل فوق ظهره كتبا، فهي بالنسبة إليه لا تتجاوز كونها ثقلاً يحمله.
يستخدم الكاتب أو الشاعر التشبيه لأنه يراه فمن أفضل الأساليب التي تعبر عما يريده. أغراض التشبيه متنوعة:
يكون المجاز مخالفًا للحقيقة أي استخدام اللفظ بغير معناه الحرفي، فالحقيقة هي استعمال اللفظ فيما وضع له أصلًا. أما المجاز هو استعمال اللفظ في غير ما وضع له. لكن الحقيقة هي الأصل والمجاز هو الفرع، ولا يلجأ إلى الفرع بدلًا من الأصل إلا لفائدة.
المجاز أولى وأفضل في الاستخدام في باب الفصاحة والبلاغة؛ الكلام الخطابي الغرض منه إثبات الغرض المقصود في نفس السامع بالتخييل أو التصور
مثلًا عندما نقول " أحمد أسد" في هذه الجملة نعني "أحمد شجاع". إذا استخدمنا التعبير "أحمد شجاع" قد يتخيل السامع أن أحمد شخص جريء وقد لا يصله المعنى الذي نريده بدقة، لكن إذا وصفنا أحمد بالأسد هنا يستطيع السامع تخيل هيئة الأسد وقوته وشجاعته في هزيمة أعدائه التي لا جدال فيها.
يستخدم في إسناد الفعل أو ما في معناه إلى غير ما هو له مثل إسناده إلى سبب الفعل أو زمانه أو مكانه أو مصدره أو صفات كان يجب أن تسند إلى المفعول فتم إسنادها إلى الفاعل، وآخرى كان يجب أن تستند إلى الفاعل وأسندت إلى المفعول. لا يستخدم المجاز العقلي إلا في التركيب.
بنى الملك القصر. هنا الملك ليس من بنى القصر بنفسه، لكنه من أمر ببنائه. وهنا مجاز عقلي علاقته السببية.
نهار الزاهد صائم وليله قائم. تم إسناد الصوم إلى النهار، والقيام إلى الليل، على الرغم من أن النهار لا يصوم بل الأشخاص وكذلك الليل لا يقوم بل الأشخاص. وهنا يكون مجاز عقلي علاقته الزمانية.
يجري النهر. تم إسناد الجري إلى النهر، والنهر لا يجري بل ما يجري فيه هو الماء. وهنا يكون مجاز عقلي علاقته المكانية.
كان المنزل عامرًا وكانت حجره مضيئة. في هذا المثال المنزل لا يعمر غيره وإنما يعمره الأشخاص، والحجرة ليست مضيئة، لأن الإضاءة لا تقع منها إنما تقع من المصباح. لذا في كل من "عامر" و"مضيئة" مجاز عقلي علاقته المفعولية.
قال تعالى: " فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة." الفعل "نُفخ" مبني للمجهول لم يسند إلى نائب الفاعل الحقيقي وإنما تم إسناده إلى غير ما هو له علاقة المصدرية.
تستخدم لنقل الألفاظ من حقائقها اللغوية إلى معان أخرى بينه. والمجاز اللغوي ينقسم إلى:
قال تعالى: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه". المجاز هنا في لفظ الشهر، والشهر لا يشاهد، إنما ما يشاهد هو الهلال ويستدل من خلاله على قدوم شهر رمضان. وهنا مجاز مرسل علاقته السببية.
قال تعالى: "ينزل لكم من السماء رزقًا". المجاز في هذا المثال هو كلمة "رزقًا"، والرزق لا ينزل من السماء، لكن الذي ينزل منها المطر الذي ينشأ منه النبات الذي منه الطعام والرزق. هنا مجاز مرسل علاقته المسببية.
قال تعالى: "فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها". المجاز هنا " عينها" أي تهدأ، والتي تهدأ هو الجسم كله ليس العين فقط. أي أطلق الجزء هو العين وأراد الجسم كله. هنا مجاز مرسل علاقته الجزئية.
قال تعالى: " يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم". المجاز في "أفواههم"، الإنسان لا يتكلم بفمه بل بلسانه. وإطلاق الأفواه على الألسنة هو مجاز مرسل علاقته الكلية.
شربت البن.أي تريد أن تقول شربت القهوة، لأن القهوة كان أصلها بنًا. إطلاق لفظ البن على القهوة مجاز مرسل علاقته اعتبار ما كان.
قال تعالى: " إني أراني أعصر خمرًا". المجاز هنا كلمة خمرًا، الخمر لا تعصر بأي حال لأنها سائل، إنما ما يعصر هو العنب الذي يتحول إلى سائل الخمر. المجاز هنا علاقته اعتبار ما يكون.
قال تعالى: "فلندع ناديه". هنا من أجل الاستخفاف من أبي جهل، فالمجاز في كلمة "ناديه" ، فإننا نعرف أن النادي مكان الإجتماع والسهر واللعب، لكن المقصود به في الآية الكريمة من في هذا المكان من أهل وأصدقاء أبي جهل. المجاز علاقته المحلية.
قال تعالى: " إن الأبرار لفي نعيم". المجاز هنا في كلمة نعيم، وهو معنى من المعاني. المجاز هنا علاقته الحالية.
قال تعالى: " فأتوا به على أعين الناس". المقصود هنا في الآية على مرأى منهم، والعين هي آلة الرؤية. هنا المجاز مرسل علاقته الآلية.
يقول الشاعر : "شككت ثيابه" أي شككت قلبه أو أي جزء من جسده . هنا استخدم كلمة الثياب وأراد القلب، هو مجاز مرسل علاقته المجاورة.
الاستعارة في اللغة هي رفع الشيء وتحويله من مكان إلى آخر. أي انتقل الشيء المستعار من يد المعير إلى المستعير للانتفاع به. عملية الاستعارة لا تتم إلا بين متعارفين تجمع بينهما صلة ما. مثلما تقول استعرت القلم من صديق.
الاستعارة هي تشبيه تم حذف أحد طرفيه. سر جمال الاستعارة هو التشخيص أو التجسيم أو التوضيح.
الاستعارة هي:
في قول أبي الطيب المتنبي:
ولم أر قلبي من مشى البحر نحوه ولا رجلًا قامت تعانقه الأسد
في هذا المثال شبه الرجل الشجاع بالأسد في جرأته وإقدامه، ثم تناسى التشبيه، وادعى أن المشبه فرد من أفراد المشبه به، وداخل في جنسه، ثم استعار لفظ المشبه به، وهو الأسد للمشبه وأطلق عليه باعتباره أحد أفراد الأسد.
لهذا فإن الاستعارة هي تشبيه حذف أحد طرفيه، فإن حذفت المشبه وصرح بالمشبه به فهي الاستعارة التصريحية، وإن حذفت المشبه به وأبقى شيئًا من لوازمه فهي الاستعارة المكنية.
تنقسم الاستعارة من حيث الإفراد والتركيب إلى مفردة ومركبة. المفردة ما كان المستعار فيها لفظًا مفردًا وذلك في كل من الاستعارة التصريحية والمكنية. أما المركبة التي يكون فيها المستعر فيها لفظا مركبًا وهي تتمثل الاستعارة التمثيلية.
تم حذف المشبه وتم التصريح بالمشبه به.
قال تعالى: " كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور". في هذه الآية مجازان لغويان، هماالظلمات والنور. الظلمات المقصود بها الضلال وقد تم استخدامها لأنها تدل على عدم اهتداء صاحبها للصواب، بينما النور المقصود بها الهدى لأنها تدل على اهتداء صاحبها للصواب.
كذلك عندما تقول "رأيت أسدًا يمتطي صهوة جواده" أي تدل على الرجل الشجاع المقدام. هنا شبهنا الرجل الشجاع بالأسد في الجرأة، ثم تناسينا التشبيه وادعينا أن المشبه فرد من أفراد المشبه به وداخل في جنسه، ثم استعرنا لفظ الأسد للرجل الشجاع، على سبيل الاستعارة التصريحية.
ما حذف فيها، المشبه به أو المستعار منه، ورمز له بشيء من لوازمه أو صفه من صفاته.
قال الشاعر دعبل الخزاعي:
لا تعجبي يا سلم من رجل ضحك المشيب برأسه فبكى
المجاز هنا في كلمة المشيب حيث شبه بإنسان على تخيل أن المشيب قد تمثل في صورة إنسان، ثم حذف المشبه به الإنسان ورمز له بشيء من لوازمه هو "الضحك" الذي هو قرينه.
كشر البحر عن أنيابه : شبه البحر بوحش مفترس له أنياب، وقد صرح بالمشبه وهو البحر وحذف المشبه به وهو الوحش المفترس ولكن أبقى على صفة من صفاته وهي الأنياب
تركيب استعمل في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي.
قال الشاعر:
ومن ملك البلاد بغير حرب يهون عليه تسليم البلاد
المعنى الحقيقي للبيت هنا هو أن من يستولى على بلاد بغير قتال وجهاد سوف يفرط فيها بسهولة. لكن الشاعر لم يستعمل هذا البيت من أجل المعنى الحقيقي إنما للمعنى المجازي للوارث الذي يبعثر أمواله وأملاكه التي ورثها عن آبائه وأجداده.
يتم استخدام الاستعارة التمثيلية في الكثير من الأمثال مثل : "رجع بخفي حنين – لكل جواد كبوة"
يصفها البلاغيون على أنها "لفظ أطلق لا يقصد به المعنى الحقيقي إنما الهدف منه توضيح لازم معناه وليس أصل معناه." أي لفظ يعتمد على معنيين أحدهما ظاهر والآخر مخفي.
في نظر البلاغيين هي تتوسط الحقيقة والمجاز، فهي ليست حقيقية؛ لأن اللفظ لم يرد به معناه الحقيقي، بل أريد به لازم هذا المعنى. وليست مجازًا؛ لأن المجاز لا بد له من قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي.
سر جمال الكناية: الإتيان بالمعنى مصحوبًا بالدليل عليه في إيجاز وتجسيم .
ما صرح فيها بالموصوف، ولم يصرح فيها بالصفة المطلوب نسبتها وإثباتها، ولكن ذكر مكانها صفة تستلزمها مثل الكرم والطول والبخل والقوة والشجاعة…
مثل قول الله تعالى: "وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا" المقصود بـ مغلولة إلى عنقك هو البخل الشديد.
كذلك قول الشاعر أبو فراس الحمداني: إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى.
المعنى الواضح: هو هبوط الليل على الشاعر، والدلالة على ذلك كلمة أضواني، أما المعنى المخفي: أنه شبه الليل بإنسان هبط عليه وهو في حالة صعبة
ما صرح فيها بالصفة وبالنسبة، ولم يصرح فيها بالموصوف المطلوب النسبة إليه مثل: الناس والعرب والغرب، أبناء النيل، مدينة النور ...
قول الله تعالى" فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت". هذه الآية كناية عن سيدنا يونس لأنه يُلقب بصاحب الحوت.
ما صرح فيها بالموصوف و بالصفة ولم يصرح فيها بالنسبة بينهما، ولكن ذكر مكانها نسبة أخرى تدل عليهما، مثل حسن الخلق، فصاحة اللسان، جمال الهيئة...
عندما قال المتنبي:"أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ........ وأسمعت كلماتي من به صمم". ( المعنى الظهر أن الكفيف قد نظر إلى الشعر وكذلك الأصم سمع هذه الكلمات، بينما المعنى المخفي هو فصاحة لسان المتنبي وعظمه شعره)
العلم الذي يبحث في كيفية تزين الكلام والألفاظ والمعاني. وأول من بحث في هذا العلم هو الخليفة العباسي الأديب عبد الله بن المعتز في كتابه البديع في نقد الشعر.
يعرف ابن خلدون علم البديع بأنه" هو النظر في تزيين الكلام وتحسينه بنوع من التنميق: إما بسجع يفصله، أو تجنيس يشابه بين ألفاظه، أو ترصيع يقطع أوزانه، أو تورية عن المعنى المقصود بإيهام معنى أخفى منه، لاشتراك اللفظ بينهما، أو طباق بالتقابل بين الأضداد وأمثال ذلك."
سوف نتناول أهم المحسنات للتعرف على أثرها في الكلام سواء لفظيًا أو معنويًا.
المطابقة أو الطباق عند البلاغيين هي الجمع بين الشيء وضده (عكسه) في الكلام أو في بيت الشعر. مثل الجمع بين الليل والنهار، البخل والكرم، الجبن والشجاعة، السعادة أو الشقاء...وغيرها. سواء هذا من خلال الأسماء أو الأفعال أو الحروف.
قول الله تعالى: "لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت". الجمع بين حرف الجر لا وحرف الجر على، حيث حرف الجر لا يحمل معنى المنفعة أم حرف على يحمل معنى الضرر.
قوله " تحسبهم أيقاظًا وهم رقود" المطابقة من خلال الأسماء
قوله تعالى: " تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء" المطابقة من خلال الأفعال
وقول الشاعر: وننكر إن شئنا على الناس قولهم...ولاينكرون القول حين نقول
المطابقة فيها من يأتي بألفاظ حقيقية ومن يأتي بألفاظ مجازية.
قول الشاعر: إذا نحن سرنا بين شرق ومغرب…تحرك يقظان التراب ونائمه ( يقظان والنائم نسبوا إلى التراب على سبيل المجاز)
قوله تعالى: " فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات"
قول امرئ القيس: " مكر مفر مقبل مدبر معًا....كجلمود صخر حطه السيل من علِ
من الأقوال المأثورة "غضب الجاهل في قوله، وغضب العاقل في فعله"
قوله تعالى: "هو الأول والآخر والظاهر والباطن"
قوله تعالى: "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" هنا يأتي التضاد من محصلة العلم ونفيه.
قول امرئ القيس: جزعت ولم أجزع من البين مجزعًا… وعزيت قلبي بالكواعب مولعًا، أما في هذا البيت يأتي التضاد نتيجة محصلة الجزع وعدم الجزع.
قول الله تعالى: "فلا تخشوا الناس واخشون"
قول أبي الطيب: ولقد عرفت وما عرفت حقيقةً...ولقد جهلت وما جهلت خمولًا
يكون ذلك من خلال وجود لفظ يوحي بالتضاد لكنه في الحقيقة ليس ضد هذا اللفظ. مثل:
قول قريط بن أنيف: يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة...ومن إساءة أهل السوء إحسانًا، في هذا البيت استخدم كلمة الظلم وأتي بالتضاد بها بكلمة المغفرة من أجل إيهام التضاد لأن في الأصل الظلم تضاده هو العدل.
وقول الشاعر: ضَحِكَ الصُّبْحُ فَأَبْكَى مُقْلَتِي ... حِينَ وَلَّى نَافِرًا عَنْ مَضْجَعِي
يتشتت البعض بين كل من المطابقة والمقابلة لكن الفرق بينهما:
المطابقة تجمع بين اللفظ وضده.
المقابلة تجمع بين أربعة أضداد، اثنين في صدر الكلام، وضدين في عجزه. من الممكن أن تصل المقابلة إلى الجمع بين عشرة أضداد.
المقابلة تجمع بين الأضداد وغير الأضداد، لكنها بالأضداد تكون أجمل وأبلغ.
قوله تعالى: "فليضحكوا قليلًا وليبكوا كثيرًا"
قوله عليه السلام: "إن الله عبادًا جعلهم مفاتيح الخير مغاليق الشر."
قول النابغة الجعدي: "فتى كان فيه ما يسر صديقه...على أن فيه ما يسوء الأعاديا
قوله تعالى: " يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث"
قول أبي دلامة: " ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا...وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل
قول الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام: "المؤمن غرّ كريم، والفاجر خبٌّ لئيم"
وبالمثل في مقابلة الأربعة بالأربعة، والخمسة بالخمسة.
تسمى تخييلًا أو إيهامًا. معنى التورية في علم البديع هي: أن يذكر المتكلم لفظًا له معنيان أحدهما قريب والآخر بعيد وهو المقصود. تهدف التورية إلى استثارة الذهن.
قول الله تعالى: " هو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار". في هذه الآية لفظ التورية هو جرحتم ومعناه القريب هو حدوث جرح أو تمزق في الجسد، إنما المعنى البعيد هو القيام بالآثام والأخطاء.
مثل قول الشاعر:
طرقت الباب حتى كلّمتني...فلما كلّمتني كلمتني
فقالت لي أيا اسماعيل صبرًا...فقلت أيا أسما عيل صبري
في هذه الأبيات كلّمتني الأولى المقصود منها التعب من طرق الباب، أما الثانية فهي بمعنى حدثتني. وكذلك لفظ اسماعيل وهو اسم شخص، أما الثانية جاءت بمعنى نفذ صبري.
وقول الشاعر أيضًا: ولابرحت مصر أحق بيوسف من الشام لكن الحظوظ تقسم
عندما تقرأ البيت لأول وهلة تدرك أن يوسف هو النبي عليه السلام، لكن المقصود هنا من هذا البيت في هذه الحقبة الزمنية هو صلاح الدين الأيوبي.
التورية التي لم يذكر فيها أي لازم من لوازم المعنى البعيد أو القريب.
قال تعالى: "الرحمن على العرش استوى" في هذه الآية المعنى القريب وهو الاستقرار في المكان أما المعنى الثاني وهو المقصود الاستيلاء والملك.
كقول الشاعر:
أبيات شعرك كالقصور... ولا قصور بها يعوق
ومن العجائب لفظهـا...حُرّ ومعناها رقـيـق
فكلمة رقيق لها معنيان؛ أحدهما بمعنى مملوك وهو غير مراد، والثاني بمعنى لطيف سهل وهو المراد.
وقول الشاعر: وقالت رح بربك من أمامي... فقلت لها بربك انتِ روحي
التورية في كلمة روحي وقرينتها رح ومعناها القريب اذهبي والمعنى البعيد نفسي ولم يذكر له ملائم أيضاً فهي تورية مجردة لعدم ذكر ملائم للمعنيين القريب والبعيد
التورية التي يذكر فيها لازم المعنى القريب. إما أن يكون اللازم قبل لفظ التورية أو بعده. أي تنقسم إلى قسمان:
ما ذكر قبل لفظ التورية
من أمثلة ذلك قول الله تعالى" والسماء بنيناها بأيد"، كلمة "اليد" يحتمل أن تكون اليد الجارحة وهذا هو المعنى القريب المورى به، وقد ذكر شيء من لوازمه وهو البنيان والمعنى البعيد هو عظمة الخالق وقدرته.
ما ذكر بعد لفظ التورية
مثل قول الشاعر:
منذ همت من وجدي في خالها… ولم أصل منه إلى اللثم
قالت: قفوا واستمعوا ما جرى… خالي قد هام به عمي
في كلمة "خالي" قد يكون هنا احتمال خال النسب وهو المعنى القريب، ولهذا لازمه كلمة "العم"، لكن المعنى البعيد هو الشامة السوداء التي تظهر في الوجه وتكون علامة الجمال والحسن.
التورية التي يذكر فيها لازمة المورى عنه قبل لفظ التورية أو بعده. وتنقسم إلى :
ما ذكر قبل لفظ التورية
في قول البحتري
ووراء تسدية الوشاح ملية ...بالحسن تملح في القلوب وتعذب
كلمة "تملح" قد يكون المقصود بها الملوحة أي الشيء المالح، لكن هذا المعنى المورى به وهو غير المقصود، إنما المعنى المراد والمقصود هو الحسن والجمال وقد جاء بشيء من لوازمه وهو "ملية بالحسن".
ما ذكر بعد لفظ التورية
في قول الشاعر:
أرى ذنب السُرحان في الأفق طالعًا...فهل ممكن أن الغزالة تطلع؟
التورية في قوله "ذنب السُرحان" هنا يحتمل أن يكون أول ضوء النهار لكنه المعنى البعيد وقد عبر بشيء من لوازمه وهو "طالعًا"، والمعنى المقصود هو ذنب الحيوان وهو الأسد أو الذئب.
في هذا النوع لا تقع التورية ولا تتهيأ إلا إذا كان هناك لفظ قبلها أو لفظ بعدها.
نحو قول الشاعر (الكامل):
لو لا التطيّر بالخلاف وأنّهم....قالوا: مريض لا يعود مريضا
لقضيت نحبي في جنابك خدمة… لأكون مندوبا قضى مفروضا
التورية في (مندوبا) احتمالها معنيين:قريب، وهو المنتدب لقضاء حكم شرعي، غير المقصود. بعيد، وهو الميت الذي يندب، وهو المعنى المورّى عنه، وهذا هو المعنى المراد. ولو لا ذكر (مفروضًا) المتأخّر عن (مندوبا) لم يتنبّه السامع لمعنى (المندوب)، فلمّا ذكر تهيّأت التورية بذكره
التقسيم يقصد به تجزئة الشيء، أي اختلاف في العبارات لكنه يرجع إلى مضمون واحد. أي تقسم الشيء الواحد إلى عدة أجزاء بجميع أنواعه بشرط ألا يخرج منها جنس من أجناسه.
التقسيم يطلق عندما يتم استيفاء جميع أقسام المعنى، حيث ينقسم المعني إلى اثنين لا ثالث لهما، أو ثلاثة لا رابع لهما...وهكذا.
يطلق التقسيم أيضًا عندما يذكر أحوال الشيء مضافًا إلى كل حالة ما يلائمها ويناسبها.
مثل قول الله تعالى: "هو الذي يريكم البرق خوفًا وطمعًا"هنا وضح الله سبحانه وتعالى شعور البشر عند البرق وهو الخوف والطمع، وقد قدم الخوف لأنه الشعور الأول الذي يقع عند البرق ثم يليه الطمع بزوال الهم.
في قول السكاكي:
أديبان في بلخ لا يأكلان...إذا صحبا المرء غير الكبد
فهذا طويل كظل القناة...وهذا قصير كظل الوتد
وقول الله تعالى: "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا، فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله" في هذه الآية الكريمة استوفت جميع الأقسام التي يحتمل وجودها في العالم.
الجمع هو أن يتم الجمع بين متعدد في حكم واحد، أو يجمع المتحدث بين شيئين أو أكثر في حكم واحد.
مثل:
قال تعالى: "المال والبنون زينة الحياة الدنيا" ، فقد جمع الله سبحانه وتعالى بين المال والبنون في الزينة.
قال تعالى: "والنجم والشجر يسجدان"،فقد تم الجمع بين النجم والشجر في السجود والانصياع لأمر الله سبحانه وتعالى.
قول الشاعر أبي العتاهية: إن الفراغ والشباب والجدة...مفسدة للمرء أي مفسدة جمع الشاعر بين الفراغ والشباب والجدة لأنها هذه الأمور جميعًا تؤدى بصاحبها إلى الفساد.
التفريق هو عكس الجمع. وهو الإتيان بشيء من نوع واحد، فيوقع بينهما تباينًا وتفريقًا من أجل زيادة وتأكيد ما هو بصدده سواء بالمدح أو الذم أو غيرها من الأغراض الأدبية الآخرى.
مثل:
قول الشاعر:
من قاس جدواك بالغمام فما...أنصف في الحكم بين شكلين
أنت إذا جدت ضاحك أبدا...وهو إذا جاد دامع العينين
في هذه الأبيات شيء من نوع واحد وهي جدوى الممدوح وجدوى الغمام، أي عطاؤهما، وقد قام الشاعر تباينًا بينهما بفرق يفيد زيادة وترجيح لكفة عطاء الممدوح، فهو يعطي ضاحًا فرحًا بالعطاء على عكس الغمام يعطي دامع العينين.
سمى أيضًا بالتناسب والائتلاف والتوفيق. هو عملية الجمع بين شيء إلى ما يناسبه من نوعه أو ما يلائمه من أي وجه من الوجوه.
مثل قول الشاعر في وصف فرس:
من جلنار ناضره خده...وأذنه من ورق الآس
المناسبة هنا هي الجلنار والآس والنضارة.
عندما يختم الكلام بما يناسب أوله في المعنى. قول الله تعالى: "له ما في السموات وما في الأرض وإن الله لهو الغني الحميد". قال الغني الحميد أي الذي ليس له لحاجة، بل هو جواد بما لديه.
كذلك قول الله تعالى: "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير". في هذه الآية فإن اللطف يناسب ما يدرك بالبصر، أما من يدرك شيئًا فهو خبيرًا به.
الجمع بين معنيين غير متناسبين من خلال لفظين يكون لهما معنيان متناسبان وإن لم يكونا مقصودين. مثل قول الله تعالى" الشمس والقمر بحسبان، والنجم والشجر يسجدان". الشمس والقمر بحسبان أي لهما حساب دقيق ومعلوم، والنجم والشجر يسجدان أي ينصاع كل منهما إلى أمر الله.
هو تشابه اللفظين في النطق واختلافهما في المعنى
ينقسم الجناس إلى:
هو ما اتفق فيه اللفظان في 4 أمور هي أنواع الحروف، وحركتها، وأعدادها، وهيئتها من حيث الحركات والسكنات، وترتيبها. وهو أبلغ أنواع الجناس وأفضلها. وهذا النوع ينقسم إلى 3 أقسام كذلك:
الجناس المماثل: ما كان ركناه من نوع واحد أنواع الكلمة. بمعنى أن يكونا اسمين أو حرفين أو فعلين.
مثل قول الله تعالى: "ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة". الجناس هنا بين اسمين متماثلين في كل شيء هما "الساعة" و"ساعة" الأول بمعنى القيامة والثاني بمعنى مطلق الوقت.
الجناس المستوفي: ما كان ركناه من نوعين مختلفين من أنواع الكلمة. وذلك أن يكون أحدهما اسمًا والآخر فعلًا، أو يكون أحدهما حرفًا والآخر اسمًا أو فعلًا.
مثل قول محمد بن كناسة في رثاء ابن له:
وسميته يحيى ليحيا ولم يكن...إلى رد أمر الله فيه سبيل
والجناس في هذا البيت بين "يحى" الاسم، و"يحيا" الفعل" وهما متشابهان لفظًا مختلفان معنى ونوعًا.
وقول الشاعر كذلك:
فدارهم ما دمت في دارهم...وأرضهم ما دمت في أرضهم
الدار الأولى هي فعل أمر من المداراة، ودارهم الثانية هي اسم للبيت. أما أرضهم الأولى هي فعل أمر من الإرضاء، أما أرضهم الثانية هي اسم الأرض.
جناس التركيب: هو ما كان أحد ركنيه كلمة واحدة، والأخرى مركبة من كلمتين.
مثل قول الشاعر:
إذا ملك لم يكن ذا هبه...فدعه فدولته ذاهبه.
كقول الشاعر كذلك:
لا تعرضن على الرواة قصيدة… ما لم تكن بالغت في تهذيبها
وإذا عرضت الشعر غير مهذب...عدوه منك وساوسًا تهذي بها
الجناس هنا بين: تهذيبها - تهذي بها
ما اختلف في أمر من الأمور التي سبق ذكرها في الجناس التام.
إذا اختلف اللفظان في أنواع الحروف في هذه الحالة يشترط ألا يقع الاختلاف بأكثر من حرف واحد.
مثل قول الله تعالى: "وهم ينهون عنه وينأون عنه"
وقوله أيضًا عز وجل: "ويل لكل همزة لمزة"
إذا اختلف اللفظان في عدد الحروف.
مثل قول الله تعالى: "والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق"
وقول أبي تمام : يمدون من أيد عواص عواصم...تصول بأسياف قواض قواضب
ما كانت الزيادة في أحد لفظيه بأكثر من حرف واحد في آخره.
مثل قول حسان بن ثابت: وكنا متى يغز النبي قبيلة...نصل جانبيه بالقنا والقنابل
وقول الخنساء: إن البكاء هو الشفاء ...من الجوى بين الجوانح
السجع أو الترصيع، وهو إيجاد التوافق بين الحروف الأخيرة في أكثر من كلمة موقعها في نهاية جملة ما قبل الفاصلة مباشرة، ويستخدم بالنثر فقط.
السكاكي يقول "السجع في النثر كالقافية في الشعر".
فيه يكون الاختلاف في الفواصل وزنًا، وتتفق رويًا. مثل:
قوله تعالى: " ما لكم لا ترجعون لله وقارًا، وقد خلقكم أطوارًا"
مقابلة كل لفظة من فقرة النثر أو صدر البيت بلفظة على وزنها ورويها. مثل:
أبو فراس الحمداني: وأفعالنا للراغبين كرامة… وأموالنا للطالبين نهاب
قول الله تعالى: "إن الأبرار لفي نعيم، وإن الفجار لفي جحيم"
أي يتفق الجزء الأخير مع نظيرتها في اللفظ والروي. مثل:
قول الله تعالى: "فيها سرر مرفوعة، وأكواب موضوعة"
قول المتنبي: فنحن في جذل والروم في وجل...والبر في شغل والبحر في خجل
أن يكون لكل شطر من البيت قافيتان متغايرتان قافية الشطر الثاني. مثل:
أبو تمام: تدبير معتصم بالله منتقم...لله مرتغب في الله مرتقب